قال رحمه الله: ( جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! الإيمان يزيد ونقص؟.. )، وثقيف من آخر القبائل دخولاً في الإسلام، ولو قال قائل: إنها آخر القبائل دخولاً في الإسلام لما أخطأ؛ فإنها ترددت وتلكأت، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنها هي القبيلة التي أبت أن تمتنع عن الربا، فأنزل الله تبارك وتعالى فيها آيات الربا من سورة البقرة، وهي آخر ما نزل من القرآن.
وبالتالي كيف يكون سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان: أيزيد أو ينقص من أسئلة ثقيف؟! وهل وصلت بها المعرفة والعلم إلى حد أن تسأل عن الزيادة وعن النقصان الذي لم يجادل فيه إلا أولئك؟ ولو كان من العلم المتعمق فيه لسأل عنه من هو قبلهم؟! ثم لا أدري لماذا اختار هؤلاء وفد ثقيف؟ ثم قالوا: قال: لا -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- الإيمان مكمل في القلب. فهذه العبارة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قوله: (في القلب) في قلب من؟ هل في قلب الخلق كلهم؟ قال: وزيادته ونقصانه كفر -وهذا كلام المتأخرين من المرجئة -؛ لأنه إذا قبل الزيادة فقد قبل النقص، والنقص شك، والشك كفر.
فهذه العبارة التي تشبه عبارات المناطقة لا يمكن أن تكون قد قيلت في القرن الأول، بل ولا حتى من المرجئة ، وإنما هي عبارة محدثة ابتدعها وابتكرها أحد الوضاعين، إما من المجهولين، وإما من الحكم ، وإما من دونه.
والمقصود: أن هذه لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بمثل هذا، ولا يقول: (مكمل) أو (في القلب)، فأي قلب وهو يعلم أصحابه أن الناس متفاوتون في الإيمان؟ ثم العجب أننا -في الموضوع الذي قبل هذا- وجدنا المرجئة يطعنون في حديث صحيح متفق عليه، وهو حديث: (الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة) فطعنوا بشك الراوي، وبمخالفته القرآن، فهم يحتجون بما يخالف القرآن حقيقة؛ لأنه قال: لا يزيد ولا ينقص، بل قال: وزيادته ونقصانه كفر، فكيف تكون زيادته كفراً والله تبارك وتعالى يقول: (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[التوبة:124]؟
إذاً: هذا الحديث هو الذي -فعلاً- يخالف الكتاب، وبذلك يكون ساقط الاعتبار ولا قيمة له، ولو فرض أنه روى بسند صحيح لقلنا: إن هذا الحديث معلول، فكيف وهو لم يروه إلا بهذا السند الذي فيه المجهولون والمتروكون المتهمون بالوضع؟!